NadorCity.Com
-
التكوين عن بُعد في زمن "كورونا" بالـمغرب.. إلى أين؟
رشيد الطاهري


على غير عادتها، لقد سارعت الدولة إلى مجموعة من التدابير الوقائية والاحترازية للحد من هذا الفيروس "كورونا" المستجد واحتوائه، وذلك من خلال القيام بإغلاق جميع المنافذ، سواء البحرية منها، الجوية والبرية، في ضربة استباقية قل نظيرها، وهذا بشهادة الدول الغربية التي هي نفسها لم تسلم من وبال هذه الجائحة، التي جعلت أبناء شعوبها يتساقطون كأوراق الخريف، هذا من جهة..

فيما من جهة أخرى، فقد قرر المغرب تعليق الدراسة بجميع المؤسسات التعليمية بقطاعيها العام والخاص، كما قامت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي اعتماد خطة بديلة آنية لإنقاذ الموسم الدراسي من سنة بيضاء، كانت لتكون عواقبها وخيمة، ومصداقا للقول الذي يقول "للضرورة أحكام"، إذ لم تجد الوزارة بدّا من اعتماد منصة رقمية للتعليم عن بعد، في إطار الإجراءات المتخذة لاحتواء فيروس كورونا "كوفيد 19".

قد يعتقد الكثيرون أن هذه الخطوة سابقة، إلا أنها ليست كذلك، لأن هذا الإجراء كان مطلبا للعديد من الأصوات منذ مدة في المغرب، لكن فقر وغياب التجهيزات الضرورية التي تصاحب هذا الإجراء، حالت دون أجرأته وتفعيله على أرض الواقع. ولهذه الأسباب تم توقيفه إلى أجل توفر هذه الشروط، إلا أن الأقدار شاءت مع مطلع شهر مارس 2020 أن يسدل الستار عن هذا المشروع لإنقاذ الموسم الدراسي من المجهول، وهكذا سيكتب للمولود أن يولد خِديجا وليس جنينا عن ولادة قيصرية ليعيش خارج الزجاجة الحاضنة وبدون أدنى مقوماتها.

فإلى أي حد يمكن للتكوين عن بعد، أن يحل محل التكوين الحضوري في ظل هذه الإكراهات؟ وما هي راهنيته في المستقبل القريب حسب الرؤية الاستراتيجية 2015 ـ2030؟

ينص القانون الإطار 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي في المادة 33 على أنه "يتعين على الحكومة أن تتخذ جميع التدابير اللازمة والمناسبة لتمكين مؤسسات التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي في القطاعين العام والخاص من تطوير موارد ووسائط التدريس والتعلم والبحث في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، ولاسيما من خلال الآليات التالية:

ــ تعزيز إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في النهوض بجودة التعلمات وتحسين مردوديتها؛ ــ إحداث مختبرات للابتكار وإنتاج الموارد الرقمية وتكوين مختصين في هذا المجال؛ ــ تنمية وتطوير التعلم عن بعد، باعتباره مكملا للتعليم الحضوري؛ ــ تنويع أساليب التكوين والدعم الموازية للتربية المدرسية والمساعدة لها؛ ــ إدماج التعليم الإلكتروني تدريجيا في أفق تعميمه؛

فمن خلال استقرائنا لهذا النص القانوني، يتبين لنا بأن هناك إصراراً وحزماً على تطوير الوسائل والأساليب المعتمدة في التدريس، وقد تم تأكيد هذا من خلال القانون المنظم للتعليم بالمغرب والذي أعقب الرؤية الاستراتيجية 2015 ـ 2030، الذي ينص على ضرورة تنمية وتطوير التعلم عن بعد باعتباره مكملا للتعليم الحضوري. كما نص أيضا على أهمية تنويع أساليب التكوين والدعم الموازية للتربية المدرسية...

كل هذه الشعارات والصيحات سرعان ما سقط قناعها بمجرد تعليق الدراسة بجميع المستويات، حل التكوين عن بعد محل التكوين الحضوري، ليكون التدريس الإلكتروني والتلفزي في المنزل بديلا اضطراريا في ظل هذه الظروف الطارئة، وهذا ما سيكشف اللثام عن مجموعة من الحقائق والكواليس التي بدأت تطفو إلى السطح لتنجلي الصورة بشكل واضح، وتتعرى معاني النصوص القانونية الفضفاضة التي كانت تبعث على الكثير من التفاؤل، ليظهر بعد ذلك الواقع الحقيقي للتعليم بالمغرب، الذي نخرته التغيرات التي تعاقبت عليه منذ الاستقلال إلى الآن، في كرونولوجيا درامية مأساوية تكشف عن مدى هشاشة هذا القطاع.

على الرغم من كل المجهودات المبذولة (الجهوية الموسعة، اللامركزية، التوظيف الجهوي...) من طرف القائمين على هذا الشأن، لا تعدو أن تكون إلا حبرا على ورق إرضاء منها لإملاءات خارجية. ويتمظهر ذلك جليا من خلال الإقصاء الذي تعانيه مجموعة من المناطق القروية والشبه الحضرية التي لا تستفيد من هذه التغطية، نتيجة لمجموعة من الاعتبارات نذكر منها: غياب الامكانيات المادية، ضعف صبيب الأنترنيت، غياب الوسائل والأجهزة، غياب المتخصصين وتكوينات مسبقة لهذه العملية، انتشار الأمية بين الأسر وضعف المعرفة في استعمال وسائل التواصل... وتظافر كل هذه العوامل فيما بينها يؤدي إلى نتيجة مفادها الضرب في مبدإ تكافئ الفرص في التعليم عن بعد، وهذا ما يتعارض مع روح الفصل 31 من الدستور المغربي الذي ينص في فقرته الثالثة على أن "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة ".

فهل سيتحقق هذا الحق، أم إن راهنية الرؤية الاستراتيجية 2015 ـ 2030 ستكون نهايتها نفس نهاية البرنامج الاستعجالي الذي كلف أزيد من 2500 مليار سنتيم، بدّدت دون نتيجة؟


---
تعليق جديد






لتصفح الموقع بنسخته الكاملة اضغط على الويب