NadorCity.Com
-
الجزء الأول.. محمد لغزاوي يكتب الأمازيغية في هولندا: مقاربة سوسيولسانية
بقلم: الدكتور محمــادي لغــزاوي
أستاذ و باحث في اللسانيات الاجتماعية و علوم التربية

الجزء 1

1. توطئة

في أواسط الستينيات من القرن الماضي بدأ قدوم أول فوج من المغاربة الى هولندا بعد عقد اتفاق بين البلدين يخول لهؤلاء العمال المؤقتين “Gastarbeiders” ممارسة أعمال يدوية لا تتطلب مهارات ذهنية. مع بداية القرن الحالي أصبحت الجالية المغربية، والتي يشكل الأمازيغ غالبيتها، من أكبر الجاليات الأجنبية في المجتمع الهولندي. تتميز التركيبة السوسيولسانية للمغاربة في بلدهم الأصلي بالتعقيد، وهذه الظاهرة اللغوية تظهر أيضا في أوساط الجالية المغربية في هولندا. فما يناهز 70 في المائة من المغاربة القاطنين في هولندا ينحدرون من منطقة الريف شمال المملكة المغربية حيث اللغة الأمازيغية هي اللغة الأم للساكنة هناك (أنظر: .(Obdeijn,1999

سيتم التركيز في هذه المقالة على الأمازيغية في هولندا و يتم تحليل ذلك باعتبار بعدين هامين: أولهما وضعية الناطقين بالأمازيغية والبعد الثاني يتجلى في وضعية الأمازيغية كلغة في حد ذاتها داخل المجتمع الهولندي. في الجزء الأول سنلقي بعض الضوء على تاريخ هجرة الجالية الأمازيغية الى هولندا وكذا بعض المعطيات الديمغرافية، الى جانب وضعية أفراد الجالية الأمازيغية في قطاع التعليم و سوق العمل الهولنديين. أما الجزء الثاني فسيتطرق الى وضعية و مكانة الأمازيغية في هذا الوطن الجديد. من أجل ذلك ستتم دراسة بعض الجوانب من قبيل وضعية الأمازيغية في بعض المؤسسات الثقافية و الاجتماعية، في وسائل الاعلام وكذا في التعليم. بالإضافة إلى هذا ستتم معالجة بعض المتغيرات و الظواهر اللغوية كاكتساب اللغة، اختيار لغة بدل أخرى، تفضيل لغة على أخرى، سيطرة لغة على أخرى، ثم المهارات اللغوية وأخيرا تطور لغة المدرسة أو اللغة الأكاديمية. تجدر الإشارة إلى أن الأرقام و الاحصاءات التي تتعلق بعدد السكان و التعليم و التشغيل بخصوص الجالية الأمازيغية غير متوفرة بشكل دقيق. يرجع السبب في ذلك إلى كون المعلومات الرسمية التى تنشر حول المغاربة تكون في معضمها عامة و لا تميز بين الناطقين بالعربية/الدارجة المغربية والناطقين بالأمازيغية. بناءا على هذا، فالأرقام التي نوردها في هذه الدراسة ستكون حول المغاربة بشكل عام بيد أنها تقدم فكرة عن الأمازيغ بما أنهم يشكلون أغلبية المغاربة المقيمين في هولندا.

1.1. الأمازيغية: عرض عام

تتكون اللغة الأمازيغية من مجموعة من اللغات المتصلة و المتقاربة والتي تعتبر اللغة الأم لمجموعات متعددة و مختلفة بالخصوص في المغرب و الجزائر بالاضافة الى باقي دول شمال افريقيا. على وجه التقريب، يبلغ تعداد الناطقين بالأمازيغية ما بين 14 الى 25 مليون نسمة و في المغرب يمثل عدد السكان الناطقين بالأمازيغية حوالي 40 % (Chafiq, 2004). حسب التوزيع الجغرافي في المغرب يمكن تصنيف ثلاث لهجات أو لغات محلية وهي تاريفيت في الشمال، تامازيغت في الوسط و تاشلحيت في الجنوب. من الصعوبة بمكان تحديد تاريخ الأمازيغ بشكل دقيق نظرا لعدم توفر الوثائق التاريخية و المراجع المتوفرة حول الحضارة الأمازيغية لا تتعدى بعض الأعلام و المواقع الجغرافية. وغياب التأريخ هذا يرجع بالأساس الى كون اللغة الأمازيغية تعتمد، و لا زالت، على الموروث الشفهي وتنعدم فيها الثقافة المكتوبة.

خلال العقود الأخيرة برزت رغبة قوية لدى بعض الباحثين و المثقفين الأمازيغ لوضع معايير و أنساق لتوحيد مختلف اللهجات وتقعيدها لخلق لغة أمازيغية موحدة و قوية. على مر القرون، تميزت اللغة و الحضارة الأمازيغيتين بفترات مد و جزر. فمن جهة عرفت اللغة الأمازيغية فترات الازدهار حيث كانت تدون كتابة. وفي أحايين كثيرة تم تعطيل هذا الانتعاش بسبب الاجتياحات الاجنبية المتكررة التي كان يتعرض لها السكان الأمازيغ. في البداية كانت تكتب الأمازيغية بخط ثيفيناغ الذي لا زال يعتمد من طرف الطوارق في النيجر مثلا. كما كانت تكتب الأمازيغية أيضا بالخط العربي خصوصا في منطقة سوس المغربية. في الوقت الحاضر يستعمل أيضا الحرف اللاتيني لأسباب عملية و لتعميم و تسهيل قراءتها حتى لغير الناطقين بها.
تنتمي اللغة الأمازيغية الى عائلة اللغات الأفرو- اسيوية و بالتحديد اللغات الحامية السامية. وعلى الرغم من مختلف أشكال الاتصال و الاحتكاك بين اللغتين الأمازيغية و العربية على مر القرون فان علاقة التأثير و التأثر بين اللغتين لا زالت محدودة.

في سياق الهجرة، من أهم الاختلافات بين الأمازيغية و الهولندية هناك التباين في ترتيب الكلمات (word order)، نظام الإشارة إلى الزمان و المكان (time-space reference)، المنظومة الفعلية (الزمان و صيغة الفعل)(tense and aspect) و تركيب الجمل و غيرها. على سبيل المثال، الترتيب المتداول أو المتعارف عليه في الأمازيغية هو الفعل و الفاعل ثم المفعول (VSO) مع أن هذا الترتيب قابل للتغيير، في حين تعتمد الهولندية على ترتيب واحد و هو الفاعل و الفعل ثم المفعول (SVO) . علاوة على ذلك، يستغنى في الأمازيغية عن الضمائر في كثير من السياقات في حين تعتبر إلزامية عند الهولندية، وهذه الظاهرة تسمى في اللسانيات ب: pro-drop، وتميز الكثير من اللغات كالاسبانية، الايطالية والبرتغالية.


---
تعليق جديد






لتصفح الموقع بنسخته الكاملة اضغط على الويب