NadorCity.Com
-
الخلايا الإلكترونية للإنصات والدعم النفسي لمواجهة كوفيد-19 تطور سيكولوجي في خدمة الإنسان المغربي
أحمد مماح باحث في علم النفس الإكلينيكي

الخلايا الإلكترونية للإنصات وتقديم الاستشارة والدعم النفسي عن بعد لمواجهة الآثار النفسية لفيروس كوفيد- 19، تطور سيكولوجي جديد في خدمة الإنسان. وفي هذا المقال سنحاول الاقتراب من مشروعيته وأهميته وآفاقه... إذ يروج في بعض مواقع التواصل الاجتماعي السؤال حول هل ثمة إمكانية لممارسة الدعم النفسي وتقديم الاستشارة النفسية عن بعد وهو من الدوافع التي أثارت اهتمامنا حتى نكتب مثل هذا المقال، إذ هناك من يتفق على مسألة تقديم الدعم النفسي عن بعد وهناك من لايتفق على ذلك، وكلا الطرفين قد يكونا على حق. لكن، ما بالك إذا قلنا بوجود مشروعية وفعالية لممارسة حتى العلاج النفسي عن بعد، وليس الدعم والاستشارة النفسية فقط، بل إنه أمر ليس وليد اليوم، أي ليس وليد جائحة كوفيد – 19، وإنما الأمر مختلف تماما عما تعتقد.

إن العلاج النفسي عن بعد له ماض طويل لكن تاريخيه ومنهجه وطرق اشتغاله قد لا يكون واضحا لدى بعض الناس، وهو أمر عادي جدا أن تكون مسألة الدعم النفسي –عن بعد- لديهم موضع تساؤل وعلامة استفهام، مادام هذا الاشتغال فريد من نوعه ولأول مرة في المغرب. لكنه، ليس لأول مرة في بلدان أخرى وفي مجتمعات أكثر علمية. في هذا الصدد تجدر الإشارة أن نقدم للقارئ بعض المعارف البسيطة والسريعة، وأولها أن الدعم النفسي والعلاج النفسي عن بعد يمثل إحدى مجالات علم النفس الاكلينيكي الحديث، ويمثل اشتغالا له أدواته وتقنياته وحدوده، وهو ينتمي إلى مجال واسع يتمثل في استخدام تكنولوجيا الحاسوب والهاتف النقال في العلاج. (IACAPAP، 2013) كما يمثل مجالا يستخدم حتى في الطب لمساعدة المرضى. إنه مجال بحثي وإكلينيكي صاعد، يمكن فهمه انطلاقا من أربعة مفاهيم أساسية، وتتمثل في (1) الصحة الإلكترونية وتعني استخدام تكنولوجيا المعلوميات والاتصالات في القطاع الصحي، (2) العلاج الإلكتروني وهو مصطلح عام يشمل مجموعة واسعة من العلاجات النفسية والسلوكية التي تقدم باستخدام الوسائل الإلكترونية، والتي يمكن أن تشمل الهاتف النقال، جهاز الحاسوب، غرف المحادثة العلاجية، شبكة الأنترنت.. وغالبا ما يعبر عن العلاج الالكتروني بعبارة العلاج المحوسب أو العلاج المقدم عن طريف الانترنت، ومن أمثلته (3) العلاج السلوكي المعرفي المحوسب ويعني تقديم العلاج السلوكي المعرفي بواسطة الأنترنت سواء عن طريق الحاسوب أو الهاتف النقال. هذه المفاهيم تدفعنا إلى مفهوم رابع وهو (4) الصحة النقالة وهو حقل في الصحة الإلكترونية ويعني استخدام الهاتف النقل في الممارسة الإكلينيكية بهدف الفحص والتقيم والتشخيص والدعم النفسي أو العلاج.

إلى هذا الحد، تبدو هذه المفاهيم جديدة لكن، إذا ألقينا طلة تاريخية سوف نتفاجئ، إذ يعتبر برنامج "إليزا" أول برنامج إلكتروني تم تصميمه لمعالجة اللغات الطبيعية في وقت مبكر تم إنشاؤه عام 1964 حتى سنة 1966 في مختبر الذكاء الاصطناعي بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology وقد تم تصميم Eliza لإثبات سطحية الاتصال بين البشر والآلات ، لكن الأمر آل إلى نتائج أخرى للبرنامج ،فكان السيناريو الأكثر شهرة ، دكتور ، يحاكي معالجًا نفسيًا يحاكي طريقة كارل روجرز في العلاج النفسي واستخدم قواعد الحوار والأسئلة غير الموجهة، مما جعل العديد من الباحثين آنذاك يعتقدون أن البرنامج سيكون قادرًا على التأثير بشكل إيجابي على حياة العديد من الأشخاص، وخاصة أولئك الذين يعانون من مشاكل نفسية ، وأنه يمكن أن يساعد الأطباء الذين يعملون على علاج هؤلاء المرضى.

حتى وقت متأخر من الثمنانينات بدأت الأبحاث فعليا في العلاج الإلكتروني، لأن هذا العقد شهد تطورا تكنولوجيا سريعا وانتشارا للحاسوب الشخصي. ولم يتم آنذا اعتبار الحاسوب مجرد آلة للتخزين وتحليل البيانات وعرضها بل يمكن استخدامه للمساعدة الذاتية. (Wright & Wright، 1997) ويعتبر العلاج السلوكي المعرفي المحوسب واحد من أولى التدخلات الالكترونية عن بعد، عن طريق جهاز الكمبيوتر وقد ثبتت فعاليته مع البالغين الذين يعانون من الاكتئاب. (salemi، 1990) كما تم اعتماد برنامج يسمى برنامج SPRAX لعلاج الاكتئاب لدى المراهقين، وبرامج أخرى عديدة كبرنامج اللعبة الصحية الذي في تحسين الحالة النفسية لدى الأفراد المصابين بالسرطان. (Kato وآخرون، 2008) تمثل هذه البرامج المذكورة عددا صغيرا جدا من تعدد برنامج الدعم النفسي بل والعلاج النفسي الالكتروني المقدم عن بعد مثل التي ذكرنها وغيرها من برامج مثل: ModeGYM (علاج نفسي محوسب للاكتئاب والقلق)، Living Life to the Full، The journal )برنامج الكتروني قائم لحل المشكلات)، Youth Mental Health (برنامج إلكتروني لحل المشكلات النفسية للأطفال)، E-couch، The Low Dow (حل المشكلات العاطفية عن بعد)، Bite Back، العلاج بالتحليل النفسي عبر سكايب... لذلك، لا يكفي المقال الواحد الإحاطة ببرامج الدعم النفسي عن بعد جميعها. ولكن، يبقى الهدف من ذكرها هو أن نقلق القارئ بأن يسعى إلى البحث أكثر والقراءة أكثر في هذا المجال قبل أي حكم قيمي كباقي الأحكام التي يتعرض لها علم النفس يوميا ومجال الصحة النفسية والذهنية عموما، إلا أن الاطلاع عن منطلقاته واشتغاله من طرف ذوي الاختصاص والباحثين في ميدان علم النفس الاكلينيكي بالمغرب، قد خصصوا خلايا للدعم النفسي عن بعد تتكون من أخصائيين نفسانيين ومعالجين وأستاذة علم النفس بالجامعات المغربية، كما تتكون بعضها من أطباء وأطباء نفسانيين ونرولوجيين. وهي مبادرة فريدة من نوعها، وهذا ان دل فإنما يدل على شيئين أولهما حكمة المؤسسين لهذه الخلايا ومدى اهتمامهم بمجال الصحة النفسية عن قرب وبعد، ثم مدى اهتمامهم بالعمل التطوعي والانساني وانفتاحهم على حل المشكلات النفسية التي قد يواجهها الانسان في حياته بأي طريقة من طرق اشتغال علم النفس الاكلينيكي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن خلايا الإنصات وتقديم الاستشارة والدعم النفسي يبدو لي أنها قد فتحت بشكل ضمني المجال لتأسيس الدعم النفسي الالكتروني داخل المغرب، وهو أمر تحقق للمرة الأولى داخل أرض الوطن، حتى وإن كانت تشوبه ناقصة كما تشوب أي مجال من مجالات العلوم دون استثناء، فإننا سنحاول التفكير فيها والعمل على التأسيس له –الدعم النفسي الإلكتروني- نظريا ومنهجيا وتطبيقيا، لما له من أهمية ولما يبدو على العالم أنه في حاجة ماسة للدعم النفسي بل وحتى العلاج النفسي عن بعد، في زمن صار فيه الإنسان يعيش مع الآلة (الهاتف، الحاسوب..) وصارت الآلة جزء لا يتجزؤ عنه، مفتاحه على العالم الخارجي، ومتنفسه. بل، مصدر من مصادر سعادته أوشقائه في كثير من الأحيان.



---
تعليق جديد






لتصفح الموقع بنسخته الكاملة اضغط على الويب