NadorCity.Com
-
الدكتور نجيب مزيان يكتب.. الحكامة و الأمن أية علاقة ؟
*الدكتور نجيم مزيان

لا يخفى على أحد أن الإشراف على تدبير الشأن الأمني ليس بالمهمة السهلة، فإلى جانب الكفاءة والخبرة، يتطلب في المسؤول الأمني حسن تدبير الموارد البشرية واللوجيستيكية، لهذا يجب وضع الرجل مناسب في مكان المناسب، وذلك بإحترام المعايير الموضوعية التي يحددها القانون، تضمن تكافؤ الفرص حيث الكفاءة هي وحدها السبيل في تعيين المسؤولين الأمنيين ويجب الضرب بيد من حديد مسألة المحسوبية والزبونية التي تؤدي إلى تسرب عدد من الفاسدين لمواقع المسؤولية.

إن الحديث عن الشأن الأمني ليس بالأمر السهل، فقد كان إلى وقت قريب موضوع الأمن من المواضيع الممنوع الحديث فيها وبالأحرى انتقادها، لكن مسلسل الإصلاح الشامل الذي دخل فيه المغرب مع بداية الألفية شمل كل جوانب الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والأمنية …الخ.
ولا يمكن تحقيق الانتقال الديمقراطي خارج مبدأ الحكامة الأمنية، التي أضحت ترتكز على ضرورة احترام الحقوق و الحريات العامة وتكريس مبدأ فصل السلط والاستجابة لاحتياجات المواطنين وفق معايير الكفاءة و الفعالية و المساءلة.

إن إصلاح المجال الأمني في الغالب ينظر إليه من مقاربة تقوم على توفير التجهيزات والعتاد والزيادة في الموارد البشرية واللوجستيكية، ويتم تجاهل المقاربة السياسية التي ترتكز على أن الأمن خدمة اجتماعية واعتبار الأمن قضية مجتمعية ذات بعد سياسي تساءل كافة الفعاليات وترتبط في العمق بإرساء دولة القانون وتحقيق التنمية على أساس التصورات التي تضمنتها التشريعات والقوانين والدساتير الممتدة تاريخيا لتصورات رواد العقد الاجتماعي.
ومن أجل مواكبة تطور الجريمة، يجب التوفر على مجموعة من الشروط ومنها :

• التوفر على موارد بشرية مؤهلة علميا وأخلاقيا وبدنيا ونزيهة وذات إلمام واسع بقضايا حقوق الانسان وبكل الجوانب القانونية والمهنية، التي يبقى هدفها الأساسي هو خدمة الوطن والمواطن، ويكون عملها خالصا وخاضعا لما يمليه القانون والضمير.
• الاسراع بتسوية الوضعية الادارية والمالية لموظفي وموظفات الامن حاملي الشواهد العليا (الدكتوراه) وخاصة المدرجين في السلاليم الدنيا والذين استوفوا اقدمية تناهز 25 سنة من العمل الفعلي بالمؤسسة الامنية، على غرار باقي القطاعات الحكومية الاخرى كقطاع العدل على سبيل المثال لا الحصر.
• إنشاء جامعة للعلوم الأمنية تعنى بالتعليم العالي والبحث العلمي و التكوين و التدريب في المجالات الأمنية. جامعة تتوفر على جميع التخصصات الأمنية يحصل من خلالها الطالب على الاجازة و الماستر و الدكتوراه في تخصصات مختلفة و متنوعة. خصوصا فيما يتعلق بالمحافظة على النظام العام و مكافحة الجريمة و الإرهاب، و تدبير الأزمات، و تخصصات في العلوم الجنائية ( الأدلة الجنائية و العدالة الجنائية، الطب الشرعي)، و تخصصات في الأمن المعلوماتي و السيبراني… الخ.
جامعة من شأنها أن تنجب لنا كفاءات و أطر قادرة على تدبير الشأن الأمني ببلادنا،  هذه الكفاءات و الأطر الأمنية يمكن أن يستفيد منها المجلس الأعلى للأمن كمؤسسة دستورية مهمتها التشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي و الخارجي للبلاد، و تدبير حالات الأزمات، و السهر على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة .
• على المؤسسة الأمنية الاعتماد على دراسات ميدانية وبحوث متخصصة تساعدها على أداء دورها في التصدي للجريمة، والاعتماد على خبراء متخصصين بعلم النفس والاجتماع والعلوم الجنائية ، لكي يتمكنوا من اجراء البحوث التي تساعدهم على تطوير أساليب عملهم، كما يتطلب الأمر تحديث الاجهزة الأمنية بما هو جديد بصفة مستمرة، لكون المجرم يتطور ويستخدم أحدث ما توصلت اليه التقنية الحديثة في أعماله الاجرامية.
• وضع برنامج خاص بالتكوين المستمر في مجال حقوق الانسان لفائدة المسؤولين والمكلفين بحفظ النظام، بالاستناد على المعايير الدولية والتشريعات الوطنية المتعلقة بحقوق الانسان، وتحسيسهم بقواعد الحكامة الجيدة على المستوى الأمني.
• إخضاع المؤسسات الأمنية للرقابة البرلمانية، من خلال مناقشة ميزانياتها الفرعية، واستجواب مسؤوليها.
• السماح لرجال الأمن بتنظيم أنفسهم في جمعيات ووداديات على غرار جمعيات ووداديات القضاة وغيرهم.
• الإسراع بتفعيل المجلس الأعلى للأمن وضمان الشروط الفعلية لخروجه إلى حيز الوجود.
في ذات السياق، لكي يتم تحقيق الأمن والحريات يجب تبني اسلوب الشفافية والحكامة الأمنية وربط المسؤولية بالمحاسبة، وهذا ما جاء في توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة حيث دعت إلى ترشيد الحكامة الأمنية عبر مجموعة  من الإجراءات نذكر منها :


- المسؤولية الحكومية في مجال الأمن
   

تفعيل آثار قاعدة ” الحكومة مسؤولة بشكل تضامني ” عن العمليات الأمنية وحفظ النظام العام وحماية الديمقراطية وحقوق الإنسان وإلزامها بإخبار الجمهور والبرلمان بأية أحداث استوجبت تدخل القوة العمومية، وبمجريات ذلك بالتدقيق، وبالعمليات الأمنية ونتائجها والمسؤوليات وما قد يتخذ من التدابير التصحيحية.


المراقبة والتحقيق البرلماني في مجال الأمن
 

   قيام الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان بإعمال مبدأ مسؤوليتها السياسية والتشريعية فيما يتعلق بحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية للمواطنين، كلما تعلق الأمر بادعاءات حدوث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، أو حدوث أفعال جسيمة ماسة أو مهددة لقيم المجتمع واختياره الديمقراطي؛
    تقوية أداء لجان تقصي الحقائق البرلمانية بالخبرة الأمنية والقانونية، مساعدة لها على إعداد تقارير موضوعية ودالة بعيدا عن الاعتبارات السياسية؛
    تقوية آلية الأسئلة والاستماع المباشرة من قبل البرلمان، فيما يخص المسؤولية عن حفظ الأمن والنظام العام؛
    توسيع الممارسة البرلمانية في المساءلة والاستماع لتشمل علاوة على الوزراء المكلفين بالأمن والعدل، كل المسؤولين المباشرين عن أجهزة الأمن وعمليات الردع على الأصعدة الوطنية والإقليمية والمحلية.


وضعية وتنظيم أجهزة الأمن
  

  توضيح ونشر الإطار القانوني والنصوص التنظيمية المتصلة به فيما يتعلق بصلاحيات وتنظيم مسلسل اتخاذ القرار الأمني، وطرق التدخل أثناء العمليات وأنظمة المراقبة وتقييم عمل الأجهزة الاستخباراتية، والسلطات الإدارية المكلفة بحفظ النظام العام أو تلك التي لها سلطة استعمال القوة العمومية.
المراقبة الوطنية للسياسات والممارسات الأمنية
• توصيف وتصنيف حالات الأزمة الأمنية، وشروط وتكنولوجيات التدخل فيها، بما يتناسب مع كل حالة، وكذا سبل المراقبة ووضع التقارير عن التدخلات الأمنية؛ • جعل الإشراف السياسي على عمليات الأمن وحفظ النظام العام فوريا وشفافا، وذلك بنشر تقارير عن العمليات الأمنية وعما خلفته من خسارة وأسباب ذلك والإجراءات التصويبية المتخذة.


المراقبة الإقليمية والمحلية لعمليات الأمن و حفظ النظام

• وضع عمليات الأمن وتدخلات القوة العمومية الواقعة تحت تصرف السلطات الإقليمية والمحلية تحت الإشراف الفوري للجان محلية أو إقليمية للمراقبة والتتبع، متعددة التكوين؛ • نشر، بعد كل عملية من هذا النوع، تقريرا مفصلا عن الوقائع والعمليات والحصيلة وأسباب ما حصل من الشطط أو التجاوز.


معايير وحدود استعمال القوة

• إلزام كل جهاز أو وكيل للسلطة أو الأمن بالاحتفاظ بكل ما يوثق لقرار التدخل أو اللجوء إلى القوة العمومية، فضلا عن الإمساك بالتقارير والإشعارات والمراسلات المتصلة بها؛ • إبطال الأوامر والتعليمات الشفوية، إلا في حالة الخطر المحدق، على أن تستتبع الأوامر الشفوية عندئذ بأخرى مكتوبة وموقعة لتأكيدها؛ • المعاقبة الإدارية والجنائية الصارمة لكل من ثبت عليه إخفاء ما ترتب من الخسائر البشرية أو المادية وعلى الاستعمال المفرط للقوة العمومية أو قام بتزوير أو تدمير أو التستر عن ما حصل من تجاوزات أو وثائق متصلة بها.


التكوين المتواصل لأعوان السلطة والأمن في مجال حقوق الإنسان

• وضع برامج تخص التكوين والتكوين المستمر في مجال حقوق الإنسان وثقافة المواطنة والمساواة، لفائدة المسؤولين وأعوان الأمن والمكلفين بحفظ النظام، بالاستناد على المعايير الدولية والتشريعات الوطنية المتعلقة بحقوق الإنسان؛
     إعداد ونشر متواصل لدلائل ودعائم ديداكتيكية بهدف توعية وتحسيس مختلف المسؤولين وأعوان الأمن بقواعد الحكامة الجيدة على المستوى الأمني واحترام حقوق الإنسان.

كما تجدر الاشارة انه على المستوى المؤسساتي فإن المغرب عمل على إحداث  المجلس الأعلى للأمن كمؤسسة أمنية أسمى تسند إليها مهمة أعمق بوضع استراتيجية أنجع قوامها الحكامة الأمنية الشاملة ذات الامتداد والاهتمام الوطني والدولي، وتبعا للفصل 54 من الدستور المغربي فإن هذا المجلس يرأسه الملك ويضم مدنيين وعسكريين ووزير المالية…، ويتولى وضع الاستراتيجيات الأمنية وتدبير الملفات الأمنية الكبرى بجمع المعلومات وتبادلها بين مختلف مكونات الحقل الأمني والعسكري، هذه المؤسسة رغم ما يعترض تنزيلها الفعلي على أرض الواقع من إشكالات فإن لها مكانة اعتبارية مهمة تستمدها من كونها أول مؤسسة أمنية يتم التنصيص عليها دستورياً، وتعد فاعلا أساسيا في سبيل تعزيز المنظومة الأمنية في أفق وضع قانون تنظيمي يبين كيفية عملها.

*خريج مختبر الحكامة والتنمية المستدامة كلية الحقوق سطات.


---
تعليق جديد






لتصفح الموقع بنسخته الكاملة اضغط على الويب