NadorCity.Com
-
الناظور أو هذا الظلام الحالك الذي نعيشه ، والذي سنضطر جميعاً للمشاركة بدفع ثمنه الباهظ.
محمد بوتخريط . هولندا

إليكم أعود على مركب الخجل، أعود الى أسرار المدينة ، بعد فراق لم يكن بدٌّ منه، حُمِلتُ إليه وأنا لا أحب لا مفارقتكم ولا مفارقة أسرار المدينة لحظة.

المدينة.. الحضن الناعم الذي يطيب فيه السكون، والنافذة التي أطل منها عليكم ، عدت وأملي أن أجد عبرها متعة الروح، وغذاء القلب، لكني لم أجد غير غموم الواقع الممضِّ.

لن أحدّثكم اليوم كما كنتُ أفعل سابقاً، سأحدثكم هذهِ المرة بطريقة مختلفة بعض الشيء، لن اخبركَم بأن ما يقع في المدينة مؤلم، بل هو نازف حَد التبلد ، لن أخبركَم بأني الان أحزن و أتألم، بل اني فقط استجمع اشباح ذاكرة مؤذية قبل ان تكون مرعبة.

دائماً ما كنت أردد بأن أجمل الأيام هي التي لم تأت بعد وأن القادم أجمل ، ولكني اخطأت...فالظاهر أن القادم أظلم، ونحن مصرين على الإبحار بمجاديف صدئة وعقلية سقيمة.

كل الاحداث التي تعرفها المدينة ،السياسية منها والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وحتى الفنية منها ، تؤكد أننا غير مؤهلين للانقاذ وقد يؤدي الأمر الى غرق جماعي .

كل الاحداث التي تعرفها المدينة، تعري عوراتنا، تؤكد أننا نعشق الانقسامات ويستفزنا العمل الجماعي الجاد ، و تؤكد على أننا مجموعات وجماعات، تحكمنا العلاقات الشخصية ، ولا حدثا واحدا أبان على أننا جسم واحد وكتلة واحدة. في الحراك نحن أطياف وجماعات ، في السياسة نحن أحزاب وفرق وجماعات .. حتى الفن لم يجمعنا ، ولم تجمعنا لا خيامه ولا فنادق بنجوم ...نعم كنا نتمنى ( على الاقل في الفن) أن يكون الجميع فيه أصدقاء وان تكون هذه الانطلاقة الفنية التي تعرفها المدينة محفلا يجمع الجميع لصالح مصير ومستقبل المدينة، لكننا في تمرير لعبتنا على بعضنا البعض لا ننجح إلا في زيادة بعثرتنا وتوزيعنا بين المحطات ونحتار من امرنا ، لا نمتلك حتى جرأة تسمية اسم القطار الذي ينفعنا ركوبه...ويعبُر بنا المحطات الى الامام .

حكايات وأخرى كثيرة نشاهد بعضها خلف الكواليس ونسمع بعضها الاخر من أفواه اصحابها ، ليجد المتتبع لواقع الأمور بالريف نفسه يواجه الكثير من التساؤلات .. تساؤلات صدمة واندهاش . تتراءى خلفها علاقة في صيغة تضادية بين بعضنا البعض .. تتحكم فينا علاقاتنا الشخصية بشكل ممل ومستفز في تقييمنا لكل شيء...وكأننا في معركة إنتخابية وسط بائعي المواقف الرخيصة والولاءات الزائفة، وهي الحقيقة، التي بدأت تظهر جلية وتطبع واقع المدينة.

كأن نطالب (بالامس) مثلا بمقاطعة مهرجان للسينما، ونتسابق اليوم لافتراش ارض قاعة مهترئة لمتابعة فيلم سينمائي يُعرض خلال نفس المهرجان الذي قاطعناه بالامس!..نعانق علاقاتنا الشخصية و"النفعية" ونضع المبادئ والقيم جانبا ولو الى حين..!

نطالب بمقاطعة الافلام المعروضة ، وحين تُعرض أفلامنا (أو أفلام أحدا من مجموعتنا") نملأ الفيسبوك إشهارا ودعوات للحضور والمشاركة..! نهاجم ندوة لسنا طرفا فيها ، وننوه بأخرى لأننا نحاضر فيها او يحاضر فيها أحد من "مجموعتنا"!. هذا التجاهل لعلامات التشوير في علاقاتنا قد يوصلنا لا محالة إلى نقطة اللاعودة .

في الناظور ، يستمر واقعنا المنكوب متخبطاً في المرحلة الغامضة المظلمة التي نتخبط فيها جميعنا، بين هياكل سياسيّة وثقافيّة واجتماعيّة وفنية مات قديمها، بعد أن فقدت القدرة على الاستمرار والبقاء و..الوفاء في ظل حماقاتنا،وانقساماتنا.

تجارب وتراكمات سياسات فاشلة ونخب متعالية تابعة ذليلة حولنا في كل مكان، أوصلتنا إلى حد اليأس والقنوط بل والغثيان.

احيانا - وكأننا زعما عايقين بالوضع - يحدث أن نعترض ، نصرخ، نندفع بعد قشّة قاصمة هنا أو حتى شرارة حقد هناك، إلى الطرقات و الساحات غاضبين ثائرين، تصدح حناجرنا نرفع شعارات كبيرة ،لا نريد شيئاً محدداً بل ولا نتفق على شكل الغد الأفضل، بل كل ما نريد ونردد هو "إسقاط الفساد" ... ونحن بعلاقاتنا مع بعضنا البعض نصنع فسادا آخر أكبر و أخطر من الفساد الذي نطالب بإسقاطه.

مجموعات وفرق تواجه بعضها البعض ، داخلها أشخاص تراهم يلومون باستمرار؛ فهؤلاء يحبون الاستماع الى صوتهم فقط، يشتكون باستمرار من الأمور التي لم تجرِ حسب ما يريدون ، تُلقي مجموعة باللائمة على مجموعة أخرى من أجل أن تكتسب وحدها " الرضى" بينما تحاول عمدا ان تٌغرق الطرف الآخر بالإحباط.


أشخاص يرغبون دائما بأن يكونوا على صواب ويخطئ الآخرون، وحتى التفكير في إجراء حوار مع هؤلاء قد يستنزف فقط الوقت والطاقة ويجعل المرء يريد الاستسلام لما يقولونه وعدم مجادلتهم لا لشيء غير التخلص منهم.

داخل هذه العلاقات غالبا ما تكون فيها أطراف دائمة الانتقاد لأفعال المجموعات الآخرى ولو سرا، لا يجعلون فُرصة أو مناسبة تمر إلا وتراهم يلقون انتقادات لاذعة يبحثون عن كل كبيرة وصغيرة ، ويجعلون الآخر يظهر دائماً بمظهر الغبي الذي لا يفهم شيء وهم وحدهم الذين رُزقوا بذكاء العالم كله!..يحاولون أن يشعروك دائماً أنهم بلا عيوب لا يخطئون أبداً كل ما يقولونه صحيح حتى لو كان عكس ذلك.. لا يجعلون زلة أو خطأ يمر من أمامهم دون أن يقوموا بدور الراشد المرشد الواعظ الذي يفقه ويفهم في كل شيء.

تركيزهم الاكبر، أن يجعلوا حولهم شخصيات ضعيفة حتى لا تستطيع مواجهتهم .

لنكن صرحاء. لقد فشلنا في بناء مدينة حقيقيّة .. وبغض النظر عن المذنب بيننا ، فالنتيجة هي هذا الظلام الحالك الذي نعيش اليوم، والذي سنضطر جميعاً للمشاركة بدفع ثمنه الباهظ.

لا شك، أننا خسرنا ماضينا، وعلى الأغلب، سنخسر حاضرنا إن لم نكن قد خسرناه فعلا، بانقساماتنا وتحكم علاقاتنا الشخصية فيما بيننا في آرائنا وحساباتنا..لكننا باستمرارنا في تعنتنا وأنانيتنا ونرجسيتنا وتعالينا نصنع فسادا سيفسد كل شيء حولنا ويفسد مستقبلنا ويعرض أطفالنا إلى مسلسل العلاقات المتدحرجة نحو فساد نطالب بإسقاطه .. نقامر على طاولة الغد، بمستقبلهم بينما نهتف بلا وعي من أجل إسقاط الفساد.


---
تعليق جديد






لتصفح الموقع بنسخته الكاملة اضغط على الويب