NadorCity.Com
-
"تواطأ" ضدّ والده و"قتل" شقيقه.. هكذا كتب الملك الإسباني "الهارب" تاريخه "الأسود"
ناظورسيتي -متابعة

حين ظلّ خوسي مانويل بياريخو، ضابط الشّرطة المتقاعد المثير للجدل، يصرخ مهددا بـ"لباقة" من داخل زنزانته في سجن في مدريد “أوقفوا كل شيء، لا تجعلوني أعرّض الملكية للخطر”.. لم يُعره أحد أدنى اهتمام؛ ليضطرّ، في النهاية، إلى كشف "الأسرار" التي ستؤدّي إلى "فرار" الملك خوان كارلوس، بعد تفجّر فضيحة القطار السريع بين مكة والمدينة في السعودية، التي أجبرت كارلوس على "حزم حقائبه" والرحيل بعيدا عن مملكته "السابقة".

ولم يتوقف هذا الضابط عند هذا الحد، بل واصل تهديداته بأن يفضح أسرارا إضافية، ما جعل مؤسّسات وشخصيات نافذة تترقّب ويدها على قلبها خوفا من كشفه أسرارا أخطر من التي اضطرّت الملك السابق يختار "نفي" نفسه.

وقد أظهر تفجّر فضيحة القطار السريع بين مكة والمدينة أن تلك الصورة المثالية التي طالما قدّم بها المؤرخون والصّحافة الإسبانية الملكَ السابق باعتباره "شخصية ديمقراطية"، مخالفة تماما لحقيقته. فقد كانت في سيرته "نقط سوداء" عديدة عمل الكثيرون، ومنها صحافة الـ"إستبلشمنت"، التغطية عليها، إذ كان جميع من يندّدون بخروقات الملك الإسباني السابق يُتهمون بأنهم من أنصار الجمهورية أو مناصري الحركات القومية والساعية إلى الانفصال عن العرش الإسباني. وقد اعترفت صحف مثل “إلباييس” و”آ بي سي” بأنها ظلت، طيلة عقود، "تتساهل" مع كارلوس وتتستر على فضائحه وخروقاته وجرائمه المالية، ما شجّعه على التمادي أكثر، معرّضا المؤسسة الملكية للخطر. وهكذا تفجّرت فضائح مرتبطة بملفات كثيرة رفعت القناع عن الوجه الحقيقي لكارلوس، بخلاف الوجه الذي حاولت بعض وسائل الإعلام، وأبرزها “إلباييس”.

ضابط "استثنائي"

يبلغ خوسي مانويل بياريخو، ضابط الشرطة المتقاعد، الذي فجّر فضيحة "قطار السعودية"، 69 سنة وزُجّ به، منذ 2017، في السجن الاحتياطي على ذمة التحقيق في "قضايا كبرى"، وأبرزها ما بات يُعرف بـ"ملفّ تاندمن"، وهي قضية تبييض أموال من غينيا بيساو، وتنفيذ "خطة" تقضي بتنصيب أحد أبناء الرئيس تيودورو أوبيانغ على حساب ابن آخر له.

التحق بياريخو بجهاز الأمن الإسباني في 1972. وحصل، في بدايات تسعينيات القرن الماضي، على "ترخيص خاص"، ليصبح "رجل أعمال" يدير عدة شركات مختصّة في عالم المال والأعمال و.. التجسّس! وسيشرف على تنفيذ "مهمات قذرة" لصالح الدولة الإسبانية، يتعلق بعضها بأحزاب إقليم كتالونيا القومية وبأبناك وبالملكية، وملفات أخرى "غامضة" في الخارج، كالتحقيق غير الرسمي في دور المغرب المحتمل في التفجيرات الإرهابية يوم 11 مارس 2004.

عشيقة الملك

منذ عشر سنوات، صارت الدنماركية كورينا لارسن عشيقةً للملك خوان كارلوس و"خزانة أسراره" المالية، منها "إخفاء" 65 مليون دولار التي حصل عليها كارلوس من الملك السعودي الراحل بعد "توسّطه" في صفقات "القطار السريع بين مكة والمدينة"، التي "ظفرت" بها شركات إسبانية.

وظل هذا المبلغ "الضّخم" مودعا في أحد البنوك السويسرية قبل أن يتم تحويله إلى بنك في باناما. وبعد تنحّي خوان كارلوس عن عرش إسبانيا لابنه فيلبي السادس في يونيو 2014، طالب عشقيته بالمبلغ، لكنها رفضت بدعوى أنها "هدية"، لتبدأ في تلقي تهديدات ردّت عليها بتهديدات مماثلة.

وكانت كورينا قد اجتمعت، قبل سنوات في لندن، مع الجنرال فلكس رولدان، مدير المخابرات الإسبانية، للتوصل إلى اتفاق حول "صمتها" وعدم الإساءة إلى المؤسسة الملكية. وانضمّ الضابط المثير للجدل فياريخو إلى هذه "المفاوضات" وتمكّن من تسجيل جلسات مع كورينا اتّهمت خلالها كارلوس بـ"الفساد". وهذه التسجيلات هي التي أدّت بملك إسبانيا السابق إلى "نفي" نفسه. كما سجّلت "عشيقة الملك"، كورينا، دعوى قضائية في لندن اتّهمت فيها كارلوس بأنه يهدّد بتصفيتها.

بعدما تم اعتقاله في "ملف تاندمن" وتأكده من أنه لن يغادر سجنه أبدا، شرع فياريخو في التهديد بنشر التسجيلات. وبالفعل، نُشرت تسجيلات اعترفت فيها كورينا لارسن بأن الملك الإسباني السابق شخص فاسد. إثر ذلك، باشر القضاء السّويسري تحقيقاته بخصوص تورّط كارلوس في الفساد، ليجد القضاء الإسباني نفسه، بدوره، مجبرا على فتح تحقيق. ووصل الأمر إلى حد ممارسة "ضغط شديد" على خوان كارلوس، لينتهي به المطاف "هاربا" (منذ بداية الأسبوع الذي نودّعه) من مملكته "السابقة" إلى الإمارات العربية، المتورّطة بدورها في الفساد.

ويكون الملك خوان كارلوس، بعد هذه النهاية "التراجيدية"، قد بدأ حياته في المنفى (وُلد في روما) وأنهاها في المنفى بعد أن حكم فعليا إسبانيا طيلة أربعة عقود (39 سنة). كما ظل خلال ست سنوات يحمل لقب "الملك الأب" أو "الملك الشّرَفي" لملكته "السابقة" إسبانيا.


"قتَل" شقيقه الأصغر

لم تكن الفضائح والشّبهات التي لاحقت الملك السابق خوان كارلوس وليدة اليوم، بل بدأت أولاها منذ 64 سنة، وتحديدا في 1956 حين كان يقضي عطلته في "إيستوريل" البرتغالية، البلدة التي كانت عائلته الملكية قد انتقلت للعيش فيها بعد سنوات المنفى في إيطاليا، منذ بداية ثلاثينات القرن الماضي، بعدما طردها الجمهوريون، وتولي الجنرال فرانسيسكو فرانكو الحكم في 1939، بعد أعقاب حرب أهلية دامية.

في 29 مارس 1956 كان خوان كارلوس (وعمره حينذاك 18 سنة) رفقة شقيقه ألفونسو (14 سنة) في المنتجع الصيفي في البلدة البرتغالية، حين أطلق النار على رأس شقيقه وأرداه قتيلا.. والغريب أن البرتغال لم تفتح تحقيقا في الحادثة، لتبقى الشكوك قائمة حتى الآن بشأن دوافع خوان كارلوس إلى تصفية شقيقه بتلك الطريقة الوحشية. وقد تطرق بعض الباحثين والصّحافيين لهذه القضية التي ظلت من "التابوهات" حتى السنوات القليلة الماضية. وهناك من يظنون أن الجريمة كانت متعمَّدة. وكان الكولونيل الاحتياطي والمؤرّخ العسكري أماديو مارتينيث إنغليز، قد تقدّم، في 2015، بدعوى إلى المحكمة الوطنية طالب فيها بفتح تحقيق في "اغتيال" خوان كارلوس لشقيقه.. وأكد في هذا الإطار أنه لم يعد هناك عائق، بعدما تنازل خوان كارلوس عن العرش وفقدانه الحصانة، للتحقيق في تلك الجريمة التي ارتكبها. لكن المحكمة الوطنية تحفّظت على الدعوى. ما جعل هذا الكولونيل ينشر كتابا عن "المغامرات الغرامية" للملك خوان كارلوس وصفه فيها بأنه "مهووس بالجنس"، مستندا في ذلك على ما يبدو على وثائق عسكرية "مثيرة". وأكد هذا الكولونيل المؤرّخ أن المخابرات ظلت تتدخّل للتستّر على فضائح كارلوس ومنعها من الخروج إلى العلن، منها فضيحة الممثلة الإسبانية الشهيرة باربارا راي، التي كانت في حوزتها تسجيلات بصوت خوان كارلوس يعترف فيها بمعلومات مثيرة حول الانقلاب العسكري في 1981.

حرَم والده من العرش

هناك "ملف" آخر مثير للغاية يتعلق بـ"مناورة" خوان كارلوس حتى يحرم والده (خوان دي بوربون) الذي كان ينتظر اعتلاء العرش بعد نهاية الحرب الأهلية في 1939. فقد كان هناك اتفاق ضمنيّ بين دي بوربون، ابن الملك ألفونسو الثالث عشر، الذي طُرد من إسبانيا في 1931، مع القيادة العسكرية، بزعامة الجنرال فرانسيسكو فرانكو بشأن عودة الملكية إلى إسبانيا. ورفض فرانكو، في وقت لاحق، عودة الملكية. وتورّط دي بوربون في مؤامرات لطرد فرانكو من السلطة. فكان عقاب فرانكو له هو حرمانه، رغم أنه الوريث الشّرعي لعرش إسبانيا، لصالح ابنه خوان كارلوس، في "ظروف غامضة". فقد أصدر الجنرال قرارا ينصّ على أن الصلاحية في اختيار الملك تعود إلى رئيس الدولة (الجنرال فرانكو) وسيشمل كل أمير يتجاوز عمره 30 سنة ويؤمِن بالكاثوليكية.. وقد قبل خوان كارلوس قرار فرانكو على حساب والده خوان دي بوربون، الذي تحفظ على تولّي ابنه العرش في 1975 ولكنه اضطرّ، في آخر المطاف، إلى مبايعته ملكا للمملكة الإسبانية سنتين بعد ذلك (في 1977).

جاسوس لصالح المخابرات الأمريكية

من الملفات التي نشرتها الصحافة الإسبانية، وأولها صحيفة “بوبليكو”، تلك العلاقة "المريبة" التي جمعت خوان كارلوس حين كان مرشحا للعرش والمخابرات الأمريكية.. وأفادت الصحيفة المذكورة، استنادا إلى وثائق دبلوماسية أمريكية، أن خوان كارلوس كان يمدّ واشنطن بجميع المعطيات المتعلقة بالجنرال فرانسيسكو فرانكو، خاصة في ما يتعلق بملف الصّحراء المغربية، الذي كان على شك الانفجار بين المغرب وإسبانيا حينذاك. وكان خوان كارلوس يسعى من وراء ذلك إلى الحصول على الدعم الأمريكي حتى يتولى العرش ومواصلة دعمه بعد ذلك.

فضائح مالية وثروة تفوق ملياري أورو

بالرغم من كثرة فضائحه المالية لم "يُكشَف" أمر خوان كارلوس إلا في ملف واحد، هو رشاوى القطار السريع بين مكة والمدينة، الذي "فازت" بـ"صفقته" شركات إسبانية. وقد قبض عنه كارلوس "عمولات" من الملك السعودي الراحل تراوحت بين 65 مليونا و100 مليون دولار، التي أطقت شرارة البحث القضائي الحالي. لكن شبهات تورّط كارلوس في "قضايا فساد" بدأت منذ توليه الحكم ونسجع علاقات مع الأنظمة الملكية العربية. وفي هذا السياق، أفادت صحيفة "دياريو" الإلكترونية الإسبانية أن خوان كارلوس "سيطر" على صفقات النفط من كل الإمارات والسعودية نحو إسبانيا في فترة معينة، وأوردت في هذا الإطار شهادات مسؤولين كبار. وأشارت إلى أنه كان ينقل الأموال من الإمارات العربية في طائرته الخاصّة..

ولم تكن أخبار "فساد" خوان كارلوس وليدة اليوم، ففي 1991 أصدر غريغوريو موران كتاب “ثمن الانتقال” وتطرّق فيه لما يسمى "الانتقال الديمقراطي". ومما كتب موران حينئذ، أي قبل 29 سنة، أن الملك خوان كارلوس يعد "أكبر وسيط في الصفقات الكبرى في إسبانيا كلها"، منتقدا الطبقة السياسة، التي كانت "تصمت" عن تورّط الملك في قضايا "الفساد".

وكانت مجلة "أورو بيزنس" قد قدّرت، في مقال نشرته في 2002، ثورة خوان كارلوس بمليار و700 مليون أورو. وفي 2012 نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تحقيقا قدّر ثروة كارلوس بملياري أورو، مشيرة إلى أن ما ورث العائلة الملكية بعد وفاة والده خوان دي بوربون (في 1993) لا يتجاوز 7 ملايين دولار، مبرزة أنّ "تضخّم" ثروة كارلوس بهذه الكيفية يرجع إلى وساطاته المالية و"الفساد" الذي تشهده كثير من هذه الصفقات.

وسقَط القناع..

كانت للملك "الهارب" خوان كارلوس أقلّ ميزانية تتوفر عليها مؤسسة ملكية في العالم، لكنْ اتّضح الآن أنه يتحوز ميزانية "ضخمة" راكمها من وساطاته في صفقات "فاسدة"، إذ ربط علاقات "مشبوهة" مع الأنظمة الملكية العربية أكثر ممّا ربط الأنظمة الملكية في أوروبا..

وإضافة إلى كل هذه المعطيات السلبية التي تُبرز فساد خوان كارلوس و"غرقه" في الرشاوى والوساطات، قدّمت عنه روايات أخرى معطيات بخصوص دوره السياسي. وفي هذا الإطار يظن مؤرخون أنه لم يلعب أي دور حاسم في الديمقراطية.. وكما تغيرت "حاله" من ملك "متقشف" و"فقير" إلى ملك "فاسد ماليا"، بدأ الرأي العام حاليا يهتمّ بالروايات التي تحدّثت عن دوره السّري في الانقلاب العسكري الفاشل في 1981، وهو الانقلاب الذي سعى منفّذوه إلى تغيير الحكومة، وليس الانقلاب على الملكية، بل أن الانقلابيين كانوا يتحدثون باسم الملك.. مع بعض الاستثناءات، التي كانت تتعرّض للتهميش، والتي صمتت فيها المنابر الصحافية، مثل “إلباييس”، والطبقة السياسية التقليدية، مثل الحزب الاشتراكي، عن "جرائم" خوان كارلوس. لكن "التاريخ" يحتفظ، دوما، صفحات إضافية لتصحيح الرّوايات المزيفة، ومنها "رواية" أن خوان كارلوس كان ملكا "متقشفا" و"ديمقراطيا".


---
تعليق جديد






لتصفح الموقع بنسخته الكاملة اضغط على الويب